١٣ عاماً قضاها صانع الأفلام جيمس كاميرون في كتابة وإخراج وتصوير ومونتاج الجزء الثاني من “Avatar”، الذي يحمل اسم Avatar: The way of water (أفاتار: طريق الماء).

وحلل الناقد الفني عصام زكريا، في مقاله نشره عن هذا الفليم، وذكر أن الجزء الأول كما هو معروف قلب صناعة السينما رأساً على عقب، عندما عُرض عام ٢٠٠٩، في ذروة صعود الوسائط الرقمية الحديثة، والمخاوف من انكماش وانقراض السينما بشكلها التقليدي، فجاء “Avatar” كما لو كان يحقن صناعة السينما المريضة بمحلول منعش أعاد إليها الحيوية والنشاط.

ومنذ ذلك الحين، صارت تقنية الفيلم ثلاثي الأبعاد وما يتتبعها من اعتماد على المؤثرات الخاصة بصرياً وسمعياً “وأحيانا حركياً عن طريق المقاعد المتحركة الحديثة”، حيلة شبه مضمونة تلجأ إليها هوليوود لإغراء الجماهير الصغار والشباب بالذهاب إلى دور العرض.

من ناحية أدى ذلك إلى نجاحات تجارية كبيرة حافظت على بقاء الصناعة، ومن ناحية أدى إلى زيادة تكلفة الأفلام بشكلٍ لا يصدق، ما زاد بدوره من الضغوط على الشركات وصُناع الأفلام، وزاد من اتساع الهوة الساحقة بين السينما “التجارية” وأنواع السينما الأخرى.

ورغم أن الفارق بين السينما التجارية، والسينما الأخرى كان موجوداً دائماً، إلا أنه لم يكن أبداً بمثل هذا الدرجة من الاتساع.

يكفي القول إن Avatar: The way of water هو من أكثر الأفلام تكلفة على مدار التاريخ، إذ تجاوزت ميزانيته ٣٥٠ مليون دولار، أما عن الإيرادات فقد جنى خلال الأسبوع الأول من عرضه عالمياً ما يزيد عن الـ٥٠٠ مليون دولار.

يمكن أن نذكر أيضاً، أن الجزء الأول حقق ٢.٩ مليار دولار إيرادات ليصبح أكثر الأفلام نجاحاً تجارياً على مر التاريخ، ولكن هل يستحق “Avatar” أن يُنفق عليه هذه الأموال الطائلة؟ وهل يستحق أن يحقق هذه الإيرادات القياسية؟.

يبدو الأمر أحياناً وكأن السينما قد تحولت إلى “كازينو” للقمار أو لعبة “بنك الحظ”، حيث يتعلق الأمر كله بدوران عجلة الحظ، وقدرة بعض اللاعبين الخارقة على التنبؤ بالرقم الفائز، وقدر ما يملكه وينفقه اللاعب من أموال حتى تأتي اللحظة الذهبية التي يحصل فيها على الجائزة الذهبية.

نسخة متطورة

Avatar: The way of water هو نسخة متطورة تقنياً من “Avatar” الجزء الأول، ولكن على مستوى الدراما والكتابة فلا جديد فيه. فكرة “Avatar” (أي حلول روح الإنسان في جسد جديد)، ربما كانت جديدة منذ ١٣ عاماً (الفكرة نفسها مستقاة من الفلسفة والعقائد الهندية والشرقية القديمة).

في الجزء الأول الذي تدور أحداثه في ٢١٥٤، تنضب موارد كوكب الأرض فيذهب العلماء إلى قمر اسمه “باندورا” يعيش عليه شعب اسمه الـ”نا يف” يذكر بالـNatives، سكان أميركا وأستراليا الأصليين.

ورغم أن الأحداث تدور في المستقبل البعيد إلا أن الفيلم محمل بإشارات لماضي الرجل الغربي، والشعوب البدائية التي قام بإبادتها والأراضي البكر التي قام بتدميرها، وفي كثير من معاركه يبدو كما لو كان فيلم “ويسترن” عن الصراع بين “الكاوبوي” المحتلين و”الهنود” سكان أميركا الأصليين.

وفيما ينتهي الجزء الأول بطرد البشريين من “باندورا” واندماج بطله “جيك”، البشري المتحول إلى “نايف”، مع سكان “باندورا”، وزواجه وبقاءه في هذه الجنة التي يعيش سكانها في توحد وانسجام مع الطبيعة، فإن الجزء الجديد يبدأ بعد حوالي ١٠ سنوات بعودة البشر إلى “باندورا” محملين بقدر أكبر من الأسلحة والكراهية للاستيلاء على مصادره الطبيعية حتى لو كان عن طريق القضاء على سكانه ومظاهر الحياة فيه.

ولأن الأشرار مثل الأبطال، لا يموتون أبداً (إلا في الجزء الأخير من السلسلة) فإن الضابط “كواتريش” شرير الجزء الأول يعود هنا مجدداً على هيئة “أفاتار”، مصراً على الانتقام من “جيك” وعائلته الجديدة، قبل أن يكتشف أن لديه ابن بشري يعيش في “باندورا” كابن بالتبني لعدوه “جيك”، فيقوم بخطفه ومحاولة إقناعه بالانضمام إليه في مخططاته الإجرامية.

هذه باختصار أحداث الجزء الجديد التي تستغرق أكثر من ٣ ساعات، يضيع معظمها في استعراض طبيعة وخصائص قمر باندورا، كما لو كنا أمام حلقة من برنامج “عجائب البحار”!.

يُحمل جيمس كاميرون فيلمه بإشارات إلى مشكلة البيئة والمناخ، وبالصراع بين التطور التكنولوجي والطبيعة، كما يحمله بأفكار “تربوية” عن العائلة والتضامن الأسري والأبناء الذين يصبحون امتداداً وخلفاً للآباء (ويظهر ذلك بشكلٍ خاص في نهاية الفيلم عندما يقوم كل الأبناء والبنات بإنقاذ آبائهم وأمهاتهم).

ومن الواضح أن كاميرون يغازل الأجيال الجديدة، ويعرب عن أمله في أن يصبحوا أفضل من آبائهم وأجدادهم وأن ينقذوا الكوكب. لكن هذه الأفكار تعاني من تصدع وتناقض داخلي عميق.

صحيح أن الفيلم يتغنى بالطبيعة، ولكنها طبيعة مصنوعة بالكمبيوتر. كل شيء في الفيلم من البحر والكائنات البحرية والنباتات والحيوانات و”الأفاتارين”، يفترض أنهم يمثلون الطبيعة في مقابل الإنسان، ولكن كل شيء بشأنهم مصطنع بواسطة الكمبيوتر وتقنية ثلاثية الأبعاد، بينما البشر الذين يمثلون الخطر التكنولوجي المقبل لتدمير هذه الطبيعة، هم الكائنات “الطبيعية” الوحيدة في الفيلم.

وهكذا من حيث لا يدري، يروج “أفاتار” للذكاء الاصطناعي ولبرامج المتعة الحسية المصطنعة، بينما يستخدم المزاعم التي تنادي بالعودة للطبيعة وإيقاف كل ما من شأنه تدمير التوازن الطبيعي، وضرورة أن تنشأ الأجيال الجديدة بين أحضان الطبيعة.

لكن الحقيقة أن الرسالة الوحيدة التي تصل للأجيال الجديدة من مشاهدة “أفاتار” هي أن ينعزلوا عن البشر والأرض، وأن يعيشوا داخل صورهم “الأفاتارية” على شاشات الكمبيوتر والموبايل.