خالد‭ ‬صلاح: "معاوية"‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬رجل‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬قائد‭ ‬عسكري‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬إنسانًا‭ ‬صاغته‭ ‬الأيام‭ ‬كما‭ ‬تصوغ‭ ‬النار‭ ‬الحديد

خالد‭ ‬صلاح: "معاوية"‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬رجل‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬قائد‭ ‬عسكري‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬إنسانًا‭ ‬صاغته‭ ‬الأيام‭ ‬كما‭ ‬تصوغ‭ ‬النار‭ ‬الحديد

تحدث‭ ‬الكاتب‭ ‬خالد‭ ‬صلاح‭ ‬عن‭ ‬مسلسل‭ ‬‮«‬معاوية‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬كتابته‭ ‬وأثار‭ ‬جدلا‭ ‬منذ‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬عرضه‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬2025‭ ‬بسبب‭ ‬رصده‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬استشهاد‭ ‬الخليفة‭ ‬عثمان‭ ‬بن‭ ‬عفان‭ ‬وتولي‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب،‭ ‬والخلافات‭ ‬والصراع‭ ‬مع‭ ‬معاوية‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬سفيان‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يريد‭ ‬تأسيس‭ ‬الدولة‭ ‬الأموية‭.‬

وكتب‭ ‬خالد‭ ‬صلاح‭ ‬عبد‭ ‬حسابه‭ ‬على‭ ‬Facebook‭ ‬متحدثا‭ ‬عن‭ ‬المسلسل‭ ‬ليفسر‭ ‬لماذا‭ ‬قدمه‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬معاوية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬رجل‭ ‬دولة،‭ ‬أو‭ ‬قائد‭ ‬عسكري‭ ‬يخوض‭ ‬معاركه‭ ‬على‭ ‬أسنة‭ ‬الرماح،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬إنسانًا،‭ ‬صاغته‭ ‬الأيام‭ ‬كما‭ ‬تصوغ‭ ‬النار‭ ‬الحديد،‭ ‬قاسيًا‭ ‬حين‭ ‬تستدعي‭ ‬الحاجة،‭ ‬ولينًا‭ ‬حيث‭ ‬ينبغي‭ ‬التروي‭ ‬والتدبر،‭ ‬حين‭ ‬بدأنا‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬مع‭ ‬MBC Studios،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬غايتنا‭ ‬أن‭ ‬نصوغ‭ ‬حكاية‭ ‬تُضاف‭ ‬إلى‭ ‬سجل‭ ‬الروايات‭ ‬المتضاربة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬قصدنا‭ ‬أن‭ ‬ننتصر‭ ‬لرؤية‭ ‬على‭ ‬أخرى،‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نقترب‭ ‬من‭ ‬معاوية،‭ ‬لا‭ ‬كخليفة‭ ‬نقش‭ ‬اسمه‭ ‬على‭ ‬دواوين‭ ‬الحكم،‭ ‬بل‭ ‬كإنسان‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬زلزال‭ ‬لا‭ ‬يهدأ،‭ ‬وأجبرته‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لاعبًا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬لم‭ ‬يخترها‭ ‬بنفسه،‭ ‬بل‭ ‬ألقتها‭ ‬الأقدار‭ ‬بين‭ ‬يديه‮»‬‭.‬


وتابع‭ ‬خالد‭ ‬صلاح‭: ‬‮«‬تأمل‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬ترو‭ ‬ماذا‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬دراما‭ ‬التاريخ،‭ ‬تصور‭ ‬فتى‭ ‬نشأ‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬العظمة،‭ ‬تحت‭ ‬سقف‭ ‬أغنى‭ ‬بيوت‭ ‬قريش،‭ ‬ثم‭ ‬فجأة‭ ‬تهتز‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬تحته‭. ‬أخته‭ ‬رملة،‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬قلبه،‭ ‬تترك‭ ‬أهلها‭ ‬وتفر‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭ ‬إلى‭ ‬الحبشة،‭ ‬تاركة‭ ‬خلفها‭ ‬إرثًا‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬والوجع‭. ‬وأمه‭ ‬هند،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سيدة‭ ‬مكة‭ ‬بلا‭ ‬منازع،‭ ‬تهوي‭ ‬أمام‭ ‬عينيه‭ ‬من‭ ‬قمة‭ ‬الجبروت‭ ‬إلى‭ ‬وادٍ‭ ‬من‭ ‬الخسائر‭ ‬والانكسار‭. ‬فقدت‭ ‬أباها‭ ‬وأخاها‭ ‬وعمها‭ ‬في‭ ‬بدر،‭ ‬وظلت‭ ‬تحمل‭ ‬جراحها‭ ‬حتى‭ ‬جاء‭ ‬يوم‭ ‬أحد،‭ ‬فتنفست‭ ‬الصعداء‭ ‬بالانتقام‭ ‬المجرم‭ ‬المقيت‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬الرياح‭ ‬لا‭ ‬تستقر‭ ‬طويلًا،‭ ‬فما‭ ‬لبثت‭ ‬أن‭ ‬وقفت‭ ‬بعد‭ ‬أعوام،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تملأ‭ ‬الدنيا‭ ‬عنادًا،‭ ‬وقفت‭ ‬أمام‭ ‬النبي‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الله،‭ ‬ترفع‭ ‬صوتها‭ ‬بالشهادة،‭ ‬وتدخل‭ ‬دين‭ ‬من‭ ‬كانت‭ ‬بالأمس‭ ‬تسعى‭ ‬للنيل‭ ‬منه‭ ‬بالدم‭ ‬والنار،‭ ‬كيف‭ ‬يقرأ‭ ‬فتى‭ ‬صغير‭ (‬آنذاك‭) ‬في‭ ‬مثل‭ ‬عمر‭ ‬معاوية‭ ‬هذا‭ ‬المشهد؟‭ ‬كيف‭ ‬يفهم‭ ‬التحولات‭ ‬الجارفة‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬قريش‭ ‬القوية،‭ ‬قريشاً‭ ‬المغلوبة،‭ ‬ثم‭ ‬من‭ ‬قريش‭ ‬المغلوبة‭ ‬بالأمس‭ ‬إلى‭ ‬القبيلة‭ ‬القائدة‭ ‬للدين‭ ‬الجديد؟‮»‬‭.‬

وأكمل‭: ‬‮«‬لم‭ ‬يكن‭ ‬معاوية‭ ‬رجل‭ ‬سيف‭ ‬كخالد‭ ‬بن‭ ‬الوليد،‭ ‬ولا‭ ‬ناسكًا‭ ‬زاهدا‭ ‬كعلي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬رجل‭ ‬التدبر‭ ‬الطويل‭ ‬والانتظار‭ ‬الصامت‭. ‬من‭ ‬طفولته،‭ ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬الانتصارات‭ ‬ليست‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬القتال،‭ ‬وأن‭ ‬الحرب‭ ‬ليست‭ ‬دائمًا‭ ‬حلًا،‭ ‬بل‭ ‬أحيانًا‭ ‬تكون‭ ‬الحرب‭ ‬هي‭ ‬المصيدة‭ ‬التي‭ ‬يقع‭ ‬فيها‭ ‬المتعجلون‭. ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬النصر‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تصمد‭ ‬حين‭ ‬يسقط‭ ‬الآخرون،‭ ‬وأن‭ ‬تدير‭ ‬المعركة‭ ‬بالعقل‭ ‬لا‭ ‬بالغضب‭.‬

ثم‭ ‬جاءت‭ ‬الطعنة‭ ‬الكبرى،‭ ‬مقتل‭ ‬ابن‭ ‬عمه‭ ‬وخليفة‭ ‬المسلمين‭ ‬عثمان‭ ‬بن‭ ‬عفان‭. ‬فجأة،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬معاوية‭ ‬واليًا‭ ‬يدير‭ ‬شؤون‭ ‬الشام‭ ‬من‭ ‬بعيد،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬نفسه‭ ‬مسؤولًا‭ ‬عن‭ ‬دم‭ ‬عثمان،‭ ‬عن‭ ‬الثأر،‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬كما‭ ‬يراها‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره،‭ ‬صار‭ ‬هو‭ ‬ولي‭ ‬الدم‭ ‬في‭ ‬عائلة‭ ‬تطالبه‭ ‬بالانتقام‭ ‬من‭ ‬القتل،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬خيارًا‭ ‬سهلًا،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬كرهًا‭ ‬في‭ ‬الإمام‭ ‬العادل،‭ ‬ولكنه‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬وسط‭ ‬معادلة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يملك‭ ‬رفاهية‭ ‬الانسحاب‭ ‬منها،‭ ‬معادلة‭ ‬حكمتها‭ ‬السياسة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬حكمها‭ ‬الدم‮»‬‭.‬


واختتم‭ ‬كلامه‭: ‬‮«‬حكايتنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المسلسل‭ ‬ليست‭ ‬عن‭ ‬رجل‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬لمجرد‭ ‬السلطة،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬قصة‭ ‬رجل‭ ‬خُلق‭ ‬لينتصر‭ ‬أو‭ ‬يُهزم،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬مسيرة‭ ‬رجل‭ ‬تعلم‭ ‬كيف‭ ‬يتحايل‭ ‬على‭ ‬الريح،‭ ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬يواجه‭ ‬العاصفة‭ ‬بعناد‭ ‬المغامرين،‭ ‬بل‭ ‬بحكمة‭ ‬من‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬البحر‭ ‬لا‭ ‬يخضع‭ ‬إلا‭ ‬لمن‭ ‬يتقن‭ ‬فن‭ ‬الإبحار‭. ‬لهذا‭ ‬كان‭ ‬معاوية‭ ‬شخصية‭ ‬درامية‭ ‬بامتياز،‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬القائد‭ ‬الذي‭ ‬يحسم‭ ‬الأمور‭ ‬بحد‭ ‬السيف‭ ‬وحده‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬العقل‭ ‬الذي‭ ‬يحسب‭ ‬كل‭ ‬خطوة،‭ ‬ويدرك‭ ‬أن‭ ‬الزمن،‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬هو‭ ‬أذكى‭ ‬اللاعبين‮»‬‭.‬

‮«‬في‭ ‬معاوية،‭ ‬لم‭ ‬نكتب‭ ‬التاريخ‭ ‬بمنطق‭ ‬المنتصر‭ ‬والمهزوم،‭ ‬لم‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬في‭ ‬صياغاتها‭ ‬الجامدة،‭ ‬بل‭ ‬حاولنا‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬الإنسان‭ ‬خلف‭ ‬السياسة،‭ ‬وأن‭ ‬نعيد‭ ‬قراءة‭ ‬القصة‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬صخب‭ ‬الروايات‭ ‬المتضادة‭. ‬لم‭ ‬ننظر‭ ‬إليه‭ ‬كحاكم‭ ‬نقش‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ،‭ ‬بعض‭ ‬الكتب‭ ‬مجدت‭ ‬سيرته،‭ ‬وبعضها‭ ‬لعنته‭ ‬بلا‭ ‬هوادة،‭ ‬بل‭ ‬رأيناه‭ ‬كروح‭ ‬عاشت،‭ ‬وتألمت،‭ ‬وانتصرت،‭ ‬روح‭ ‬ساقتها‭ ‬الضرورة‭ ‬إلى‭ ‬الهدى‭ ‬أحياناً‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬إلى‭ ‬الخطايا‭ ‬أحياناً‭ ‬أخرى‭ ‬،‭ ‬ثم‭ ‬سارت‭ ‬إلى‭ ‬قدرها‭ ‬مثل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬سبقوها‭ ‬،‭ ‬المسلسل‭ ‬ليس‭ ‬عن‭ ‬صراع‭ ‬صحابة‭ ‬تقاتلوا‭ ‬،‭ ‬لكنه‭ ‬عن‭ ‬إنسان‭ ‬خاض‭ ‬صراعه‭ ‬الأول‭ ‬مع‭ ‬نفسه‭ ‬،‭ ‬ثم‭ ‬دارت‭ ‬به‭ ‬طاحونة‭ ‬الصراعات‭ ‬مخيراً‭ ‬أو‭ ‬مجبراً‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬العمر‮»‬‭.‬

المسلسل‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬الصحفي‭ ‬خالد‭ ‬صلاح،‭ ‬وإخراج‭ ‬طارق‭ ‬العريان،‭ ‬الذي‭ ‬انسحب‭ ‬لاحقا‭ ‬ليحل‭ ‬محله‭ ‬المخرج‭ ‬أحمد‭ ‬مدحت‭. ‬ويضم‭ ‬العمل‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬النجوم‭ ‬العرب،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬لجين‭ ‬إسماعيل‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬معاوية‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬سفيان،‭ ‬وإياد‭ ‬نصار‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬على‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب،‭ ‬وسهير‭ ‬بن‭ ‬عمارة‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬هند‭ ‬بنت‭ ‬عتبة،‭ ‬وائل‭ ‬شرف‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص،‭ ‬وأسماء‭ ‬جلال‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬زوجة‭ ‬معاوية‭.‬


img
الكاتب

مريم يعقوب

التعليقات

أضف تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مميزة بعلامة *