فلسطين بطلة الدورة الـ78 لمهرجان «كان»

فلسطين بطلة الدورة الـ78 لمهرجان «كان»

يختتم مهرجان كان السينمائى الدولى دورته الـ٧٨ غدًا، الأحد، بحفل يقام فى قصر المهرجانات، بحضور ضيوف المهرجان ونجوم السينما العالميين، حيث يجرى توزيع جوائز الدورة الحالية، وأبرزها السعفة الذهبية، وتميزت الدورة الـ٧٨ للمهرجان بحضور لافت لدعم فلسطين وأهل غزة من خلال العديد من الأفلام المشاركة بالمهرجان فى أقسامه المختلفة إلى جانب حرص عدد كبير من نجوم وصناع السينما على توجيه رسائل لدعم أهل غزة وإدانة الاحتلال الإسرائيلى.


السينما الفلسطينية يمكن اعتبارها بحق «عروس» الدورة الـ٧٨، حيث شارك صناع السينما الفلسطينيون بأفلامهم التى تنقل نبض الفلسطينيين، إذ شهد المهرجان عرض الفيلم الفلسطينى «كان يا ما كان فى غزة» للأخوين طرزان وعرب ناصر لأول مرة عالميًا بحضور طاقم العمل وبطليه الرئيسيين نادر عبد الحى ومجد عيد، ضمن مسابقة «نظرة ما» وسط استقبال مبهر وتصفيق من الحضور الذى ملأ القاعة بعد العرض، وحضر العرض العديد من أصحاب المواهب العربية مثل المخرج أمير فخر الدين، والمنتج أحمد عامر، والمخرج مراد مصطفى، والمنتجة درة بوشوشة، والممثل ظافر العابدين، إلى جانب جميع المنتجين والمشاركين فى الإنتاج الذين أدّوا دورًا محوريًّا فى تقديم هذا الفيلم إلى الجمهور.

«كان يا ما كان فى غزة» إنتاج دولى مشترك بين فرنسا وألمانيا والبرتغال وفلسطين، مع قطر والمملكة الأردنية الهاشمية، وتجرى أحداثه فى غزة عام ٢٠٠٧ حول طالب شاب اسمه يحيى، يُكون صداقة مع أسامة، صاحب مطعم ذى كاريزما وقلب كبير، يبدآن معًا فى بيع المخدرات أثناء توصيل ساندويتشات الفلافل، لكن سرعان ما يُجبران على مواجهة شرطى فاسد وغروره المُتضخم، ويضم الفيلم طاقمًا من الممثلين، منهم نادر عبد الحى، ورمزى مقدسى، ومجد عيد.

وحظى الفيلم بإشادات نقدية وبعد انتهاء العرض وجّه الإخوان ناصر الشكر لفريق وطاقم عمل الفيلم على كل ما قدموه، وألقيا خطابًا مؤثرًا يتناول الأحداث فى غزة، قالا فيه: «لا توجد كلمات تكفى للتعبير عن مشاعرنا كغزيين، مرت أكثر من سنة ولا تزال غزة تتعرض لأبشع وأفظع إبادة جماعية فى التاريخ الحديث، لا بد أنكم سمعتم عن فاطمة حسونة والفيلم الذى تناول حياتها، إنها محظوظة لأنها حققت إنجازًا فى حياتها ومسيرتها المهنية كمصورة، وأصبحت بطلة فى نظر البعض، لقد قتلت إسرائيل أكثر من ٦٠ ألفًا مثل فاطمة حسونة، ولا يزال القتل مستمرًا كل يوم. لا أعلم إن كنا نستطيع مواصلة الحديث بعد هذه الفترة الطويلة من الإبادة الجماعية، لكن الصمت جريمة».

وأضاف مخرجا فيلم «كان يا ما كان فى غزة»: «نأمل أن تنتهى هذه الإبادة الجماعية قريبًا، عائلتنا وأصدقائنا هناك، بالمناسبة، لدينا شقيقان هنا نجيا للتو، ونجحا فى الخروج من شمال غزة، الذى لم يغادراه منذ بداية الحرب، التفاصيل مروعة حقًا، يومًا ما، ستتوقف الإبادة الجماعية، وعندما نسمع التفاصيل والقصص؛ سيكون ذلك عارًا كبيرًا على الإنسانية».

مخرجا الفيلم التوأم طرزان وعرب ناصر ولدا فى غزة بفلسطين عام ١٩٨٨، درسا الفنون الجميلة فى جامعة الأقصى وأصبحا شغوفين بالسينما واللوحات الفنية، كانت تجربتهما الإخراجية الأولى مع فيلم «كوندوم ليد»، ومدته ١٥ دقيقة، والذى أختير لينافس فى المسابقة الرسمية لـمهرجان كان السينمائى ٢٠١٣، وعُرض فيلمهما الطويل الثانى «غزة مونامور» لأول مرة عالميًا فى مهرجان فينيسيا السينمائى الدولى وحصد جوائز متعددة، منهم جائزة اتحاد دعم السينما الآسيوية «نيتبك» من مهرجان تورونتو وجائزة أفضل فيلم مع تنويه خاص من مهرجان القاهرة السينمائى ومثّل فلسطين فى منافسات جوائز الأوسكار لأفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية ونال الكثير من الإشادات النقدية على مستوى العالم.

الحديث عن فلسطين ومعاناتها أيضًا كان حاضرًا بقوة فى مهرجان كان بدورته الحالية، بفيلم وثائقى أثار الاهتمام والإشادات يحمل اسم «ضع روحك على كفك، وامشِ»، للمخرجة الإيرانية سبيده فارسى، ويسرد قصة الصحفية الفلسطينية فاطمة حسونة، التى اغتيلت فى ضربة جوية إسرائيلية، وعرض الفيلم ضمن برنامج الأفلام المستقلة، تزامنًا مع ذكرى النكبة وإعلان قيام دولة إسرائيل عام ١٩٤٨، وهو ما أضفى على الحدث بعدًا رمزيًا رغم محاولات إدارة مهرجان «كان» أن تنأى بعيدًا عن السياسة.

وكان مهرجان «كان» قد نعى فاطمة حسونة فى بيان رسمى باعتبارها واحدة من «ضحايا العنف الكثيرة» فى المنطقة، مؤكدًا أن عرض الفيلم، رغم أنه لا يعوض حجم المأساة، يمثل تكريمًا لذكراها ومسيرتها.

واحتشد جمهور المهرجان فى صالات العرض لمشاهدة الفيلم الوثائقى، وقالت مخرجته: «فاطمة كانت دائمًا تقول: سيمرّ، إنها ليست هنا جسديًا، لكنها حاضرة بقوة، لم يستطيعوا هزيمتها».

وكشفت المخرجة الإيرانية سبيده فارسى، فى حديثها مع وكالة «رويترز»، على هامش المهرجان أن فاطمة حسونة (٢٥ عامًا) كانت مصممة على حضور مهرجان كان لمشاهدة الفيلم، رغم كل العوائق التى فرضها الحصار الإسرائيلى على غزة، مشيرة إلى أن الصحفية الشابة كانت «تتوهج فرحًا» يوم إعلان اختيار الفيلم للمهرجان، لكن الحلم لم يكتمل، إذ قُتلت حسونة فى اليوم التالى داخل منزلها جراء قصف جوى.

وأكدت «فارسى» أنها ستواصل السعى لعرض الفيلم على نطاق واسع، ليشاهد العالم صور فاطمة التى توثق الحياة اليومية فى غزة وسط ويلات الحرب، وأضافت: «من كان يتجاهل الواقع، قد يصطدم الآن بصدقها وبساطتها وقوتها».

وأشارت إلى أنها تلقت تقريرًا من منظمة «فورنسيك أركيتكتشر» البحثية، ومقرها لندن، يفيد بأن فاطمة حسونة كانت مستهدفة بشكل مباشر، وقالت: «من الصعب تصديق ذلك، إنه أشبه بالخيال العلمى»، وتابعت: «ما يريده كثيرون اليوم هو توقف هذه الحرب، وأن يتوقف استهداف المدنيين بهذه الوحشية».

كان حفل افتتاح الدورة الـ٧٨ لمهرجان قد شهد توجيه الممثلة الفرنسية جولييت بينوش رئيس لجنة تحكيم المهرجان تحية إلى فاطمة حسونة قالت فيها: «كان ينبغى أن تكون فاطمة معنا الليلة، الفن يبقى، فهو الشهادة القوية على حياتنا وأحلامنا».

من ناحية أخرى، شهدت فعاليات الدورة الـ٧٨ لمهرجان كان ندوة تحت عنوان «السينما الفلسطينية تحت المجهر»، ناقشها مركز السينما العربية بالتعاون مع مؤسسة الفيلم الفلسطينى وسوق الأفلام بمهرجان كان السينمائى، واستعرضت تاريخ السينما الفلسطينية، وحضرها مجموعة من الأسماء البارزة فى صناعة السينما الفلسطينية. وتحدثت المخرجة مى عودة عن التحديات التى تواجه صناع السينما الفلسطينية، وقالت: «عندما تصنع سينما تحتاج إلى الحرية، وهو ما لا يتوافر لدينا فى فلسطين، لا نستطيع الحركة، إذا أردت تصوير فيلم لا أستطيع لأننى محبوسة فى منطقة ولا يمكننى التحرك بحرية لأننا تحت احتلال يرغب فى تفريقنا ومهمشون، لتدمير هويتنا، ولا يمكننى رؤية أحد من غزة إلا خارج فلسطين، وهو ما لا يساعد لأننا نحتاج للتواصل من كافة المناطق بفلسطين، وهذا ما أحبه فينا كفلسطينيين». وتابعت: «نفكر خارج الصندوق ونخاطر لتصوير أفلامنا دون أن يخبرنى أحد بما هو مسموح أو مرفوض».

وتحدثت المخرجة والممثلة شيرين دعيبس عن تجربتها: «لا أظن أنه يمكن أن تكون فلسطينيًا دون أن تفكر فى بلدك، أول تجربة سفر لفلسطين كنتُ ٨ سنوات وتعرضنا للإهانة، فمن المستحيل ألا تفكر فى كونك فلسطينيًا بعد تلك التجربة».

وقال المخرج ركان مياسى: «كل من حولى كان يبحث عن هويته، ولم يكن مسموحًا لى بالعودة لفلسطين، وفكرت أنه من الرائع استكشاف فلسطين عبر السينما، وما تختلف فيه تجربة صانع الأفلام الفلسطينى أنه يواجه تحديًا غير تقليدى، مثلًا فيلم بونبونة كنت أريد العمل مع صالح بكرى لكنه لم يكن مسموحًا له السفر إلى لبنان وكان من الضرورى استخراج جواز سفر آخر حتى يتمكن، كل تلك صراعات لا تفكر فيها عند صناعة فيلم فى مكان آخر».

وقالت الباحثة اللبنانية رشا السلطى: «لفهم السينما الفلسطينية يجب تذكر أن الذين تعرضوا للاحتلال لم يكن مسموحًا لهم بتصوير أنفسهم أو صنع روايات خاصة بهم وبالتأكيد أفلام لهم.. رشيد من الجيل المؤسس للسينما الفلسطينية وهم من ابتكروا طرقًا لصنع أفلام بالتحايل على قيود الاحتلال، والجيل التالى منهم ابتكر أشكالًا سينمائية جديدة وكسر القواعد، السينما الفلسطينية الأكثر تنوعًا فى المنطقة، يوجد كوميديا وكوميديا سوداء، ودراما ورومانسية، فهى سينما تعيد إنتاج نفسها».

من ناحية أخرى، اختتمت مؤسسة الفيلم الفلسطينى الفعاليات التى أقامتها على هامش مهرجان كان السينمائى، وأحيا المغنى الفلسطينى سانت ليفانت حفل الختام، كما تعرف الجمهور على مشروع «من المسافة صفر» الذى تعاون فيه المخرج الفلسطينى رشيد مشهراوى مع صناع أفلام شباب من غزة شهدوا حرب الإبادة.

كما كان لافتًا مشاركة جوليان أسانج مؤسس ويكيليكس، فى الدورة الـ٧٨، وارتداؤه قميصًا يحمل أسماء ٤٩٨٦ طفلًا فلسطينيًا دون سن الخامسة فقدوا حياتهم فى غزّة منذ عام ٢٠٢٣، فى واحد من أبرز المشاهد لدعم غزة بهذه الدورة.


img
الكاتب

أميرة خالد

التعليقات

أضف تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مميزة بعلامة *