متحف اللوفر... رحلتى داخل قصر الفن الخالد ودهشة الحضارة المصرية

متحف اللوفر... رحلتى داخل قصر الفن الخالد ودهشة الحضارة المصرية

كانت‭ ‬زيارتي‭ ‬إلى‭ ‬متحف‭ ‬اللوفر‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬أشبه‭ ‬بالدخول‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬آخر؛‭ ‬عالم‭ ‬تتقاطع‭ ‬فيه‭ ‬الحضارات‭ ‬وتلتقي‭ ‬الفنون‭ ‬وتتجاور‭ ‬القرون‭ ‬فوق‭ ‬أرض‭ ‬واحدة‭. ‬منذ‭ ‬اللحظة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬وقفت‭ ‬فيها‭ ‬أمام‭ ‬الهرم‭ ‬الزجاجي‭ ‬الشهير،‭ ‬أدركت‭ ‬أنني‭ ‬لست‭ ‬بصدد‭ ‬زيارة‭ ‬متحف‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬مقبلة‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬تتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬السياحة‭ ‬لتلامس‭ ‬الذاكرة‭ ‬الإنسانية‭ ‬نفسها‭.‬

اللوفر،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يومًا‭ ‬ما‭ ‬قصرًا‭ ‬ملكيًا‭ ‬فرنسيًا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬عام‭ ‬1793‭ ‬إلى‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬المتاحف‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬يضم‭ ‬اليوم‭ ‬آلاف‭ ‬القطع‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬حضارات‭ ‬العالم‭ ‬كلها‭. ‬وبين‭ ‬أروقته‭ ‬الطويلة‭ ‬وغرفه‭ ‬المتتابعة،‭ ‬يمشي‭ ‬الزائر‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬عبر‭ ‬الزمن‭: ‬من‭ ‬النقوش‭ ‬الرافدية‭ ‬إلى‭ ‬التماثيل‭ ‬اليونانية‭ ‬والرومانية،‭ ‬ومن‭ ‬روائع‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ ‬إلى‭ ‬كنوز‭ ‬الشرق‭ ‬القديم‭.‬

لكن‭ ‬لحظة‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الجناح‭ ‬الفرعوني‭ ‬تحمل‭ ‬طابعًا‭ ‬مختلفًا‭ ‬تمامًا؛‭ ‬فهنا‭ ‬يبدأ‭ ‬القلب‭ ‬بالنبض‭ ‬على‭ ‬إيقاع‭ ‬حضارة‭ ‬كتبت‭ ‬أولى‭ ‬صفحات‭ ‬التاريخ‭ ‬الإنساني‭. ‬يعرض‭ ‬القسم‭ ‬المصري‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬6‭ ‬آلاف‭ ‬قطعة،‭ ‬تجعل‭ ‬المتحف‭ ‬أكبر‭ ‬مركز‭ ‬للآثار‭ ‬المصرية‭ ‬خارج‭ ‬القاهرة‭.‬

من‭ ‬بين‭ ‬القاعات‭ ‬التي‭ ‬شدت‭ ‬انتباهي‭ ‬قاعة‭ ‬تماثيل‭ ‬الملوك‭ ‬والآلهة،‭ ‬حيث‭ ‬تقف‭ ‬تماثيل‭ ‬أمون‭ ‬ورمسيس‭ ‬وحورمحب‭ ‬بوقار‭ ‬مهيب،‭ ‬وكأنها‭ ‬تحرس‭ ‬أسرار‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭. ‬وفي‭ ‬قاعة‭ ‬أخرى،‭ ‬تخطف‭ ‬الأنظار‭ ‬مجموعة‭ ‬توابيت‭ ‬الدولة‭ ‬الوسطى‭ ‬المنحوتة‭ ‬بدقة‭ ‬مذهلة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أدوات‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬تُظهر‭ ‬عبقرية‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬في‭ ‬أبسط‭ ‬تفاصيل‭ ‬يومه‭.‬

كما‭ ‬يضم‭ ‬القسم‭ ‬قطعًا‭ ‬نادرة‭ ‬مثل‭ ‬تمثال‭ ‬الكاتب‭ ‬الجالس،‭ ‬وأدوات‭ ‬الزينة،‭ ‬ونماذج‭ ‬السفن‭ ‬الخشبية،‭ ‬وبرديات‭ ‬تحكي‭ ‬جانبًا‭ ‬من‭ ‬الأساطير‭ ‬والطقوس‭ ‬الدينية‭.‬

وبين‭ ‬هذه‭ ‬الكنوز،‭ ‬يشعر‭ ‬الزائر‭ ‬المصري‭ ‬وأنا‭ ‬منهم‭ .. ‬بمزيج‭ ‬من‭ ‬الفخر‭ ‬والحنين،‭ ‬وكأن‭ ‬تلك‭ ‬القطع‭ ‬التي‭ ‬عبرت‭ ‬البحار‭ ‬والقرون‭ ‬تعود‭ ‬لتُعرّف‭ ‬العالم‭ ‬بجذور‭ ‬حضارة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬حية‭. ‬إن‭ ‬التجول‭ ‬في‭ ‬القسم‭ ‬الفرعوني‭ ‬داخل‭ ‬متحف‭ ‬اللوفر‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬مشاهدة‭ ‬آثار،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬حوار‭ ‬صامت‭ ‬بين‭ ‬الحاضر‭ ‬والماضي،‭ ‬وتجربة‭ ‬تكشف‭ ‬كيف‭ ‬استطاعت‭ ‬مصر‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬بصمتها‭ ‬على‭ ‬الإنسانية‭ ‬بأسرها‭.‬

خروجي‭ ‬من‭ ‬المتحف‭ ‬كان‭ ‬يشبه‭ ‬خروجًا‭ ‬من‭ ‬حكاية‭ ‬طويلة؛‭ ‬حكاية‭ ‬نُسجت‭ ‬من‭ ‬الفن‭ ‬والضوء‭ ‬والحضارة‭. ‬واللوفر،‭ ‬بما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬تاريخ،‭ ‬يظل‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬العالم‭ ‬أقرب‭ ‬وأكثر‭ ‬فهمًا‭ ‬لجذوره‭.‬



img
الكاتب

مريم يعقوب

التعليقات

أضف تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مميزة بعلامة *