فى 1 يوليو عام 1944م ولد الكاتب الكبير وحيد حامد واحد من أهم واجرأ كُتاب السينما والدراما في الوطن العربي، قدم أعمالاً فنية على مدار 40 عامًا محفورة في ذاكرة السينما والدراما المصرية جميعها مشتركة في الموضوعية والجرأة والفن الراقي.
“وحيد حامد” حالة فنية فريدة تستطيع كمشاهد للوهلة الأولى ومن اول مشهد تعرف ان هذا العمل الفني لوحيد حامد لتميزه ببراعة الحوار واختيار المفردات والجمل وجرأة الطرح والسرد،فهو منارة حقيقية للحس الفني والثقافة والوعي وكان كاتب مخضرم بدرجة جراح ماهر يعرف يشرح المجتمع المصري جيدا بمختلف شرائحه وطبقاته وإظهار امراضه والأهم من التعرية بغرض النقد هو إيجاد الحل ودق ناقوس الخطر من خلال كل مشهد يقدمه لاي طبقة ، فجمل وحيد حامد الحوارية واهتمامه بأدق التفاصيل لم يكن امر عادي. فتلميذ الكاتب الكبير يوسف إدريس والأديب العالمي نجيب محفوظ والكاتب المفكر عبدالرحمن الشرقاوي ، كيف يكون غير ذلك فهم من أصقلوا فيه الموهبة ونموا فيه روح الكتابة والمعايشة الحقيقية.
وفي إحدى لقاءات (وحيد حامد) قال أن الكاتب الكبير يوسف إدريس نصحه بالكتابة في مجال الدراما تحديدا وقد كان واخذ بالنصيحة فأبدع في الدراما مثلما ابدع في السينما
بدايته كانت في بلاط صاحبة الجلالة من خلال كتابات في العديد من الصحف والمطبوعات حتى ظهرت له أول مجموعة قصصية من هيئة الكتاب بعنوان “القمر يقتل عاشقه”، ثم توالت اعماله بعد ذلك.
ومن اهم وأشهر مسلسلات التي شكلت وجدان جيل بأكمله ومازالت حين تعرض نتعلم منه الفكر الحر والرأي الصائب والمفردات الراقية والقيم المتأصلة التي اندثرت وافتقدناها مثل : احلام الفتى الطائر، سفر الأحلام، البشاير، العائلة، كل هذا الحب، أوان الورد، الجوارح، الدم والنار، بدون ذكر اسماء وغيرهم من المسلسلات التي كانت آخرها مسلسل الجماعة الذي رصد فيه ممارسات الإخوان خلال فترة ما بعد ثورة 23 يوليو، وحقق نجاحًا كبيرًا بشهادة الجمهور والنقاد.
وحين يذكر اسم وحيد حامد لابد أن يقترن اسمه بأسم الزعيم «عادل إمام » اللذان قدما معا روائع فنية تُدرس ليومنا هذا في السينما المصرية مثل : الإرهاب والكباب، طيور الظلام، المنسي، اللعب مع الكبار، الهلفوت، عمارة يعقوبيان.
وغيرها من الأعمال الهامة مع كبار النجوم مثل (البرئ، كشف المستور، اضحك للصورة تطلع حلوه، الراقصة والسياسي، رجل لهذا الزمان، رغبة متوحشة، معالي الوزير، دم الغزال، اخر الرجال المحترمين،…….)
ولاقت تلك الأعمال وغيرها اعجابا وتكريما في كافة المحافل المحلية والدولية وحاز عنها على العديد من الجوائز.
فعندما تشاهد أفلام لوحيد حامد تتعجب من نبوءه الكاتب بمثل هذه الأمور التي تحدث اليوم وما اشبه اليوم بالبارحة
فتجده يرسم تفاصيل الشخصيات بحرفية عالية، لدرجه تجعلك عندما تشاهد اعماله يأتي في ذهنك قضية ما حالية تم طرحها او موقف ما حدث بحذافيره وتهرول تشاهد تلك الأعمال مرة أخرى ولكن بعين مُبصرة وكأنك تعود إلى إرث عظيم لدينا هو مرجعيتنا.
ولم يكتفى وحيد حامد بدوره الفني فقط بل تجد الشجاع في الكتابه شجاع في المواقف ولم يكن بمعزل عن دوره الإنساني في المجتمع فمشهود له بمواقفه الجريئة مثل الحرب التي دخلها مع الدكتور عمر عبدالكافى حين كان الأخير يقود حملة تكفير الفن وتحجيب الفنانات، وقتها دفع وحيد حامد الثمن غاليا فأوقفت الدول العربية شراء أفلامه وإبداعاته ولكنه لم يستسلم ونجح فى إقصاءه عن تليفزيون الدولة في ذلك التوقيت .
وفى عام 2018 فتح وحيد حامد ملف مسكوت عنه ضد مستشفى خيري شهري لعلاج السرطان وكان هذا الأمر مشتعل في كل وسائل الإعلام حتى اخذ مساره القانوني.
و فى عام 2017 نشر وحيد حامد مقالات ضد إعلانات «التسول فى رمضان» بمقال: «تبرعوا لإهانة مصر».. ثم استكمل حملته ضد الإعلانات المهينة لمصر وأطفالها ومرضاها.
وايضا فتح الأستاذ ملف الفساد في المحليات ولم يتراجع عن مواقفه وغيرها من المعارك التي خاضها بمنتهى النزاهه والشرف
اتذكر رفضه لتولي اي منصب سياسي قائلا «أنا أكبر سياسي بقلمي ولقاءاتي وأفكاري وأنا مؤثر لأنني صاحب رأي حر غير محسوب على أي جهة، ولا أقبل أن أكون وزيرًا حتى لو كان في(طابونة) لأنني لست مؤهلًا لهذه المسؤولية».
وقبل رحيله، في عام 2020 نال جائزة الهرم الذهبي التقديرية لإنجاز العمر من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ 42.
ورحل عن عالمنا بعدها بأشهر قليلة في 2 يناير 2021 وكأن القدر جعله يرى انجاز العمر شريط يمر أمامه للاحتفاء به لآخر مره في مشواره ويرى حب الناس والجمهور له
وفي نوفمبر 2021 أعلنت إداره المهرجان المصري الامريكي للسينما والفنون بنيويورك اهداء دورته الأولى للكاتب الكبير وحيد حامد
فى الحقيقه انا لست من الجيل الذي نشأ وتربى على أعمال الزمن الجميل ولكن من الجيل الذي عندما يشاهد أعمال وحيد حامد يعي جيدا معنى تأثير القوي الناعمة الحقيقي وليس الشعارات المزيفة فقد اعطي وحيد حامد الجميع دروس في الإيمان بالفكر والعمل بإخلاص وان قيمة الإنسان ليست في المناصب ولا الأموال وان قيمته الحقيقية عقله وفكره وثقافته ومبادئه والشجاعه في تبني المواقف على حق
فقد كان يجمع المعلومات بروح ومهنية الصحفي الحر ويعرض الموضوع بشخصية الأديب والمفكر ويكشف الفساد بروح المواطن الغيور على وطنه ويقدم الحلول بروح الطبيب المعالج.
الاستاذ «وحيد حامد» انت لست شخصية عام واحد فحسب بل انت شخصية كل الأعوام.