لم يكن عرض الفيلم الوثائقي “صولو” ضمن مهرجان الإسماعيلية السينمائي الدولي عادياً أبداً، فقد ذرف كثيرُ من الحاضرين في قاعة قصر الثقافة بالمدينة دموعهم المختلطة بين الحزن والفرح، بعد أن عاشوا قصة حقيقية، معقدة بكل تفاصيلها نقلها الفيلم الذي يتوقع له أن يحصد شيئاً من جوائز المهرجان.
ويتتبع الفيلم قصة الشاب السوري، غابي صهيوني، الذي اكتشف أهله وذووه أنه فاقد للبصر وهو في عمر أربعة شهور، بسبب معاناته ضموراً بصرياً حكم عليه بأن يكون كفيفاً طيلة عمره.
وحسب ما بين الفيلم الذي استمر تصويره ثماني سنوات كاملات، وثق خلالها العديد من التفاصيل في قصة نجاح وحياة “غابي” المتقلبة، لم تتوقف مصائب هذا الشاب عند فقدان البصر، فمع بلوغه الرابعة من العمر تم اكتشاف معاناته مرضاً آخر هو “العظمة المرمرية”، حسبما روت والدته خلال ظهورها في العمل، وهو المرض الذي حرمه السير على قدميه، وأجلسه حبيس كرسي متحرك، ومنعه من ممارسة لعبته المفضلة وهي كرة القدم.
شيئاً فشيئاً يروي “صولو” كل ما مر به “غابي” المعروف بـ”موسيقار اللاذقية”، ابتداءً من بدء تعلمه الموسيقى، وحبه لها حتى وصوله لأعلى مراحل عمله، من خلال افتتاحه معهداً خاصاً به وبدء تدريس الموسيقى والتلحين لعدد كبير من الفنانين السوريين، الذين كان من أبرزهم المطربة فايا يونان بأغنية “وجهك ياحلو”، وأيضاً أغنية “زدتي بدلالك” لمحمد مجذوب، وغيرهما الكثير.
كما ظهر غابي عازفاً فعالاً ومهماً في فرقة الفنان ناصيف زيتون، لكن مرضه وحالته الصحية لم تسعفه الاستمرار كثيراً فأغلق معهد الموسيقى الخاص به، وعاد لتدريسها من منزله، إذ يظهر الشاب نفسه في نهايات الفيلم وهو يصف حاله قائلاً: “ليس شرطاً أن تكون أنت دائماً بطل القصة، قد يكون الجلوس في مكان الكومبارس أفضل وأكثر راحة”، وأنه اتخذ قراره بالعودة لصفوف الكومبارس بعد أن أرهقته النجاحات الكبيرة، ولم تسعفه حالته الصحية لملاحقتها دائماً.
ومن جانبه قال منتج العمل، مصطفى الكيلاني، أن هذا المشروع كاملاً هو للمخرجة زهرة البودي، وجاءت الفكرة بهدف تقديم حكاية شاب يريد أن يكون شخصاً عادياً، رغم معاكسة الحياة له، والصعوبات الكبرى التي سببها مرضه.
وأكد أن تواضع الإنتاج جاء كون الفيلم نفذ بآلات بسيطة، ولم يجد الدعم المناسب، وتم تصويره بأسلوب قديم شيئاً ما، لكنهم كانوا مصرين على إيصال هذه التجربة والقصة للعالم.
وأضاف الكيلاني أن طول فترة التصوير كان بسبب ظروف بطل العمل الصحية الذي كان يضطر لدخول المستشفى في كثير من الأوقات، وأنه ومع قدوم جائحة “كورونا”، وتردي الأحوال، وظروف غابي الصحية قررت المخرجة إيقاف تصوير العمل، لكن موسيقار اللاذقية هو من أصر بعزيمةٍ كبيرةٍ على استكماله حتى النهاية.
وحسب الكيلاني، فإن أهم بطل في قصة “غابي” وفيلم “صولو”، هو والدته التي منحته الأمل في الحياة.
يرى الناقد الفني، محمد دياب، أن حالة الفيلم تقدم شخصية خاصمتها الحياة، لكنه تمكن من ترويضها شيئاً فشيئاً.
وأضاف دياب أن العمل قسم وفق السلم الموسيقي “دو، ري، مي، فا، صو” وكانت كل واحدة من هذه السلالم تحمل تفصيلات كثيرة في حياة “غابي”، وتفيض منها مشاعر متباينة ومتضادة في بعض الأحيان، وهي التي تخلق مزيجاً مختلطاً من المشاعر لدى حضور الفيلم.
وظهر في الفيلم بعض النجوم الذين شكلوا جزءاً من قصة نجاح غابي سواء بدعمه له أو بصداقتهم معه، وقدموا شهاداتهم به في أجزاءٍ من العمل، ومنهم على وجه الخصوص، الممثل عابد فهد، والمطربة فايا يونان، وناصيف زيتون.
أحدث التعليقات