مقالات
محمد أيمن البخاري يكتب: الطفولة في خطر: انحراف الأطفال بين غياب القيم وغياب القدوة
في السنوات الأخيرة، لم يعد انحراف الأطفال في مصر مجرد حوادث فردية يمكن تجاهلها، بل تحوّل إلى ظاهرة خطيرة تهدد الأمن المجتمعي وتُنذر بمستقبل غامض. أطفال في عمر الزهور، يتحولون إلى مجرمين، يحملون السكاكين بدل الأقلام، ويختارون العنف قبل أن يتعلموا معاني الإنسانية أو الرحمة. لقد أصبحت براءة الطفولة تُغتال يوميًا، لا برصاص ولا بسلاح، بل بغياب القيم، وانعدام التربية، وطمس الوعي، وتغييب الدين.
جرائم أطفال تهزّ الشارع المصري
لننظر إلى بعض القصص الواقعية التي تكشف إلى أي مدى وصل هذا الانحدار:
قضية طفل البساتين (2020): طفل لم يتجاوز 15 عامًا، أنهى حياة زميله بدم بارد إثر شجار تافه على “مكان الجلوس في الشارع”. الطعنات كانت سريعة، والندم غائب، كأن القتل أصبح لعبة إلكترونية بلا تبعات.
وايضآ فتاة كفر الدوار (2022): مراهقة لم تتجاوز 14 سنة، اتفقت مع حبيبها على قتل والدتها لأنها منعتها من الخروج ليلاً. تفاصيل الجريمة كانت أشبه بمشهد من فيلم رعب، ولكنها حدثت في واقع حي، بأيدٍ صغيرة، وقلوب خالية من الوعي أو الإحساس، وأطفال عصابة “التيك توك” (2023): مجموعة من الأطفال أعمارهم بين 13 و16 سنة، كوّنوا عصابة لسرقة المارة وتصوير جرائمهم ونشرها على السوشيال ميديا بهدف “الشهرة”. كانت تعليقات المتابعين هي المحفز، وليس الشعور بالذنب.
هذه الأمثلة وغيرها تؤكد أن الطفولة في مصر تمر بأزمة وجود، أخلاقية وثقافية وتربوية، لم تعد تحتمل التجاهل أو التسويف .
والسؤال المعتاد.. من المسؤول؟
الطفل لا يولد مجرمًا، بل يُصنع كذلك. عندما تغيب الأسرة، ويفشل التعليم، ويصمت الإعلام، ويُشوّه الفن، وتُهمل الدولة دورها في التوعية، يكون الناتج هو طفل مشوّه داخليًا، هش نفسيًا، وجاهز ليكون قنبلة موقوتة.
غياب القدوة، وانشغال الأهل باللهاث وراء لقمة العيش، وانتشار المحتوى العنيف والإباحي على الإنترنت، وتراجع دور المدرسة، كل ذلك خلق بيئة خصبة لنمو الجريمة داخل عقول لم تتجاوز مرحلة التكوين.
أين الدين؟
الوازع الديني غائب أو مشوّه في أغلب الأسر. التربية لم تعد تعني زرع الأخلاق، بل فقط “يكون شاطر في المدرسة وما يعورش حد”. الدين الذي يُفترض أن يكون درعًا واقيًا للأطفال أصبح مجرد مادة دراسية، بلا قدوة تُجسد القيم، ولا محيط يُكرّس الرحمة والضمير والعدل.
يجب بناء الإنسان من جديد؛ فلن نستطيع محاربة هذه الظاهرة بالأمن وحده. الحل يحتاج إلى مشروع قومي لإعادة بناء الإنسان المصري، وخاصة الطفل، عبر محاور متعددة تتمثل فى الآتى :
الأسرة والتربية:
■ دورات مجانية لتدريب الأهل على التربية النفسية والسلوكية الحديثة.
■ إعادة إحياء مفهوم “القدوة داخل البيت” من خلال التواصل والحب والاحتواء، وليس الضرب والتهديد.
التعليم:
■ إدخال مناهج دراسية تركز على القيم الإنسانية والذكاء العاطفي.
■ تدريب المعلمين على احتواء الطلاب وتوجيههم لا مجرد تلقينهم.
الدين:
■ تجديد الخطاب الديني بلغة عصرية قريبة من عقل الطفل والمراهق.
■ إدماج الأنشطة الدينية التطوعية في المدارس والنوادي لبناء الانتماء والقيم.
الفن والإعلام:
■ دعم الأعمال الفنية التي تكرّس القيم الإيجابية والإنسانية.
■ محاربة المحتوى العنيف والرديء على السوشيال ميديا بقوانين رادعة ومراقبة ذكية.
المجتمع والدولة:
■ إنشاء مراكز مجانية للرعاية النفسية والسلوكية للأطفال في كل حي.
■ إطلاق حملات إعلامية توعوية مستمرة حول أهمية التربية والوقاية من العنف.
وفى النهاية إذا كنا نريد وطنًا آمنًا ومستقبلًا مستقرًا، فلابد أن نبدأ من الطفولة. الطفل هو مشروع أمة، فإما أن نزرع فيه القيم والحب، أو نتركه فريسة للضياع والعنف والانحراف.
الطفولة ليست مرحلة، بل أساس. وإذا كان الأساس فاسدًا، فكيف لنا أن نحلم ببناء سليم وإلا فسوف أعود لجملتى التى صاحبتنى منذ عام 2006 والى الان «مفيش فايدة».
التعليقات