شهدنا في السنوات الأخيرة تحولا ملحوظا في طبيعة البرامج الحوارية التي تعرض على قنوات فضائية كبيرة، لدرجة أنها أصبحت عبارة عن مسارح لتبادل الاتهامات والكشف عن الفضائح وكشف عورات البيوت وأسرار العلاقات الزوجية والشخصية حتى بات الأمر شاذا عن تعاليم ديننا الحنيف وتربيتنا على الفطرة السليمة والأخلاقيات القويمة وأصبح الأمر ليس له أى علاقة بالحوار الهادف.

لقد تعلمنا طوال حياتنا وعملنا بالمجال الإعلامى أن الإعلام رسالة سامية وان الغرض الأساسي من نوعية البرامج الحوارية هو تقديم محتوى تثقيفي وترفيهي يشجع النقاش الموضوعي حول قضايا مختلفة تهم الجمهور وتفيده ورغم ذلك انحرفت بعض البرامج عن مسارها الأصلي وأصبحت تركز بشكل متزايد على الحياة الشخصية للضيوف والميل إلى صناعة التريند على حساب السمعة والاسم والأخلاق والخصوصية، سواءآ كان هذا من فنانين أو شخصيات معروفة، مما أدى انخفاضا ملحوظا وقوى في جودة الحوار المقدم.

لأن البرامج الحوارية التي تعتمد على استضافة المشاهير أصبحت تميل أكثر فأكثر إلى استفزاز الضيوف للحصول على تصريحات جريئة أو الكشف عن أسرار شخصية، ما يؤدي إلى تحويل الجلسة الحوارية إلى جلسة محاكمة علنية بدلا من كونها منصة للتعبير عن الأفكار والمواهب.

هذا النوع من البرامج يبتعد كل البعد عن تعزيز الثقافة أو الفن، وينحصر فقط في ترويج الإثارة والتسلية عبر استغلال الحياة الخاصة للأفراد.

كما ان التأثير السلبي لهذا التحول لا يقتصر على الضيوف فحسب، بل يمتد ليشمل الجمهور الذي يتلقى في النهاية محتوى يفتقر إلى العمق والقيمة التعليمية. من المهم أن تعي البرامج الحوارية دورها كأدوات للإعلام والتثقيف، وأن تعمل على تحويل التركيز مرة أخرى نحو الحوارات البناءة والتى تعتمد على تقديم المعلومة التي تنير فهم المشاهدين وتقدم لهم مادة تفكير حقيقية بدلًا من الغوص في تفاصيل لا تخدم الفن ولا المجتمع ومن وجهة نظرى لإعادة هذه البرامج إلى جذورها الأصلية وضمان تقديم حوار هادف، يتطلب الأمر جهودًا مشتركة من قبل صناع البرامج والجمهور. يجب على المنتجين ومقدمي البرامج تحمل المسؤولية في اختيار المحتوى الذي يقدمونه وأن يضعوا في اعتبارهم الأثر الثقافي والاجتماعي، وتسليط الضوء على برامج الحوار (Talk Shows) والتى للأسف تغيرت معالمها بشكل ملحوظ على مدار السنين، فمن النقاش العميق والمعرفي، تحولت هذه البرامج إلى ساحة لتبادل الاتهامات والفضائح، مما أدى إلى ابتعادها عن الهدف الأساسي الذي من أجله أُنشئت. في البداية، كانت تلك البرامج تسعى لإثراء الحوار العام وتقديم منصة لمناقشة القضايا الثقافية، الفنية، والاجتماعية بطريقة بنّاءة. لكن اليوم، أصبح التركيز الأساسي هو الكشف عن تفاصيل الحياة الشخصية للفنانين والمشاهير، بما في ذلك الأمور الخاصة التي لا تتطلب العرض العلني.

هذا التحول ناجم عن سعي وسائل الإعلام لجذب أكبر عدد ممكن من المشاهدين، حيث أصبحت الفضائح والاتهامات المتبادلة بين الضيوف هي الوصفة الرئيسية لزيادة نسب المشاهدة. للأسف، هذا الأسلوب أدى إلى تراجع القيمة المعرفية والثقافية لهذه البرامج وتحوّلها إلى مجرد أداة للترفيه السطحي، مما يسيء للمشهد الإعلامي بشكل عام. يبدو أن الحاجة ماسة الآن لإعادة تقييم هذه البرامج وتوجيهها نحو استعادة دورها الحقيقي كمنابر للحوار الهادف والبناء الذي يخدم المجتمع ويثري النقاش الثقافي والفني.

لذلك فمن الضروري التأكيد على القيم الإعلامية مثل النزاهة والموضوعية واحترام خصوصية الأفراد والابتعاد عن الإثارة الرخيصة التي تتسم بها بعض الجلسات الحوارية الحالية، يمكن للجمهور أن يلعب دورا مهما في هذه العملية من خلال تعزيز الطلب على تلك النوعية من البرامج واختيار متابعة البرامج التي تلتزم بمعايير عالية من الجودة والمحتوى المفيد، والتفاعل الإيجابي معها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات، وبذلك يستطيع الجمهور توجيه الرسالة الى المنتجين بما يريدون مشاهدته.

بناء على هذه الجهود، يمكن تحويل مسار البرامج الحوارية نحو الأفضل، حيث تصبح أدوات للتثقيف والإلهام بدلا من كونها مجرد مصادر للترفيه السلبي الهدف يجب أن يكون خلق بيئة إعلامية تعزز الفهم والتقدير للثقافة والفنون، وتساهم في تطوير مجتمع متوازن يقدر الحوار البناء والنقد الهادف.