حياتنا اليومية مليئة بالمفاهيم الكثيرة التي يجب أن نقف أمامها ونحاول معرفة معانيها والمقصود منها، لأنها بالفعل قد تعبر عنا وعما نشعر به، ونريد الحديث عنه. اليوم اخترت لك عزيزي القارئ مفهوم يعبر عن الكثير منا حتى أصبح يتكرر بكثرة في حياتنا اليومية، بل ونتعرض له في العديد من علاقاتنا الإنسانية على كل المستويات، وهو مفهوم «اتق شرا من أحسنت إليه»، والذي يشير إلى فلسفة حكيمة، تعتبر من أحد الأمور الأساسية في الحياة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية وأيضا يعتبر من الأمثال الشعبية التي جرت على ألسنة الناس، فكانوا يستخدمونه في أقوالهم قديما في حال لؤم اللئيم ردا على كرم الكريم.
إن هذا المفهوم يعنى أنه يجب أن نكون حذرين، وأن نتعامل بحكمة مع ردود الأفعال والتأثيرات المحتملة لأفعالنا الإيجابية وعطائنا الزائد على الآخرينو، وفي العديد من الثقافات والأديان، يتم ترسيخ هذا المفهوم كقاعدة أخلاقية للتصرف، فقد يكون الشخص الذي نتعامل معه بلطف وسخاء قادرا على استغلالنا أو الانتقام منا في المستقبل بل ونهب حقوقنا والاستيلاء على ما ليس له.
لذلك يعتبر اتقاء شره أمرا أكثر حكمة وحذر ، وهذا ما ذكره لنا المولى -عز وجل- في كتابه الكريم عندما قال: {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله}… صدق الله العظيم (سورة التوبة أيه 74).
وهناك أيضا مقولة شهيرة من قصائد المتنبي تقول «إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا».
أن ما قد يؤلمنا حقا، هو غدر المقربين بعد مساعدتهم والوقوف إلى جانبهم والإحسان إليهم،، وهذا يعتبره البعض سذاجة والبعض الآخر يعتبره من أسباب الطمع في الآخر، أما من وجهة نظري فأنا أعتبره أقسى وأشد أنواع الخيانة على الأرض، لهذا يجب أن نكون حذرين في اختيار من نحسن إليه. عندما نقدم المساعدة أو العطاء للآخرين، يجب أن نكون قادرين على تقييم طبيعة ونزاهة هؤلاء الأشخاص. فإذا كانوا يظهرون سلوكا مشكوكا فيه أو يبدون ميولا نحو الاستغلال، فقد يكون من الأفضل الابتعاد أو تقليل التعامل معهم، كما يجب أن نحافظ على الحدود ونعرف أين تكمن حدودنا الشخصية. يجب أن نكون قادرين على قول «لا» عندما نشعر بأن أفعالنا قد تؤدي إلى استغلالنا أو الإضرار بنا. يجب أن نمنح الآخرين العطاء بحكمة وفقا لقدرتنا وتقديرنا للموقف.
إن الذين تسببوا لنا بجرح وألم في الأعماق، مما ترك أثر سلبي قد لا يمكن نسيانه، لا يجب أن نكافئهم إلا برد المظالم، نلجأ للقانون في حال النصب والاحتيال، نلجأ للهجر التام والابتعاد في حال الكذب وتلفيق التهم والتيلي والاستغلال النفسي، لان أصعب ما قد يصيب الإنسان هو الشعور بالغدر والخيانة خاصة إذا كان من أقرب الناس، فهذا الألم الذي ينتج عنه يكون من الألم الكبير الذي لا يمكن وصفه، لان الغدر الحقيقي لن يكون من الأعداء، بل يكون من أقرب الناس إلى القلب.
إن من الكرامة وحسن التربية أن يكون الشخص أسد في الأمام، أفضل من أن يكون ثعبان خائن في الخلف، فلا تأمن لشخص استطاع أن يخون قريبه، فهناك أناس ذو وجهين، ليس من العدل معهم أن يكون السلام والأمان من نصيبهم ومكافأة على غدرهم وخيانتهم.
يجب أن نطبق مبدأ العدل والمساواة في تعاملنا مع الآخرين. عندما نتعامل بإحسان مع الآخرين، يجب أن نكون عادلين ولا نميل للتفضيل أو التمييز. فالتعاطف والعطاء يجب أن يكونا بناء على من يستحق الإحسان الحقيقي، على من يحمل أصل طيب نقى وليس على طمع وجشع ومصالح شخصية تحت شعار المقربون أولى بالمعروف.
يجب أن نكون حذرين في مشاركة المعلومات الشخصية أو الحساسة مع الآخرين. في عصر التكنولوجيا الحديثة، يمكن أن يتم استغلال المعلومات الشخصية بطرق غير مشروعة. لذلك، يجب أن نحمي خصوصيتنا ونكون حذرين في التعامل مع الأشخاص الذين يطلبون هذه المعلومات.
في النهاية، فإن مفهوم «اتق شرا من أحسنت إليه» يعكس الحكمة والحذر في التعامل مع الآخرين. يجب أن نكون متوازنين في تقديم العطاء والمساعدة، وفي الوقت نفسه نحافظ على حقوقنا ونحمي أنفسنا من الاستغلال أو الأذى.
وكالعادة أنهى حديثي معك عزيزي القارئ ولا يسعى إلا أن أقول:
أحدث التعليقات